الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
في كون الفعل مُسْندًا للجار، كأنه قيل: صَاحَ المنتهبُ في حجراته، وكذلك المراد سُقِط في يده، أي: سقط النَّدمُ في يده.فقوله: أي سقط النَّدم في يده، تَصْرِيحٌ بأنَّ القائمَ مقام الفاعل حرفُ الجَرّ، لا ضمير المصدرِ.ونقل الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ أنه يقال: سقط في يده وأسقط أيضًا، إلاَّ أنَّ الفرَّاء قال: سَقَطَ- أي الثلاثي- أكثرُ وأجودُ.وهذه اللَّفظةُ تُسْتعمَلُ في التندُّم والتحير.وقد اضْطربَتْ أقوالُ أهل اللَّغَةِ في أصلها.فقال أبو مروان بن سراج اللُّغوي: قولُ العرب سُقِط في يده مِمَّا أعْيَانِي معناهُ.وقال الواحِدي: قَدْ بَانَ مِنْ أقوالِ المُفسِّرينَ وأهْلِ اللُّغةِ أنَّ سُقِطَ في يدهِ نَدم، وأنَّه يُسْتعملُ في صفة النّادم فأمَّا القولُ في أصلِهِ وما حَدَّه فلمْ أرِ لأحَدٍ من أئَّمةِ اللُّغةِ شَيْئًا أرْتَضِيه إلاَّ ما ذكر الزَّجَّاجي فإنَّه قال: قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} بمعنى نَدمُوا، نظمٌ لم يُسمع قبلَ القرآن، ولمْ تعرفهُ العرب، ولمْ يُوجَدْ ذلك في أشعارِهِم، ويدُلُّ على صحَّةِ ذلك أنَّ شعراء الإسلام لما سَمِعُوا هذا النَّظْمَ واستعملُوهُ في كلامهم خَفِي عليهم وجهُ الاستعمال، لأنَّ عادتَهُم لمْ تَجْرِ بِهِ.فقال أبو نواس: [الرجز] وأبُو نواسٍ هو العالمُ النَّحْرِيرُ، فأخطأ في استعمال هذا اللفظ، لأنَّ فُعِلْتُ لا يُبْنَى إلاَّ من فعل مُتعَدٍّ، وسقط لازمٌ، لا يتعدَّى إلاَّ بحرفِ الصفة لا يقالُ: سُقطت كما لا يُقال: رُغبتُ وغُضِب، إنَّما يُقَال: رُغِبَ فيَّ، وغُضِب عَلَيَّ، وذكر أبُو حاتمٍ: سُقِط فلان في يده بمعنى ندم.وهذا خطأ مثلُ قول أبي نواس، ولو كان الأمرُ كذلك لكان النَّظْم {وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ} وسُقِطَ القومُ في أيديهم.وقال أبُو عُبيدة: يُقَالُ لِمَنْ على أمْرٍ وعجز عنه: سُقِطَ في يده.وقال الواحِدِيُ: وذِكْرُ اليد هاهنا لوجهين أحدهما: أنه يُقال للَّذي يَحْصُلَ وإن كان ذلك مِمَّا لا يكُون في اليد: قَدْ حصلَ في يده مكروهٌ يشبه ما يحصُلُ في النَّفس وما يحصُل في القلب بِمَا يُرضى بالعينِ، وخُصَّت اليدُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ مباشرةَ الذُّنُوبِ بها.فاللائمةُ ترجع عليها، لأنَّهَا هي الجارحةِ العُظْمَى، فيُسْنَدُ إليها ما لم تُباشِرهُ، كقوله: {ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] وكثيرٌ من الذُّنُوب لمْ تُقدّمهُ اليد.الوجه الثاني: أنَّ النَّدَمَ حدثٌ يَحْصُلُ في القلب، وأثرُهُ يَظْهَرُ في اليد؛ لأنَّ النَّادِمَ بَعَضُّ يدَهُ، ويضربُ إحْدَى يديْه على الأخرى كقوله: {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} [الكهف: 42] فتَقْلِيبُ الكفِّ عبارةٌ عن النَّدم، وكقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} [الفرقان: 37] فلمَّا كان أثرُ النَّدم يحصُل في اليدِ مِن الوجهِ الذي ذَكَرْنَاه أضيف سقوطُ النَّدم إلى اليَدِ؛ لأنَّ الذي يَظْهَرُ للعُيُونِ من فِعْلِ النَّادم هو تَقْلِيبُ الكفِّ وعضُّ الأنامل واليدِ كَمَا أنَّ السُّرُور معنى في القلب يسْتَشْعره الإناسنُ، والذي يظهرُ منه حالة الاهتزاز والحركةِ والضَّحك وما يَجْرِي مجراه.وقال الزمخشريُّ: {ولمَّا سُقِطَ في أيديهمْ} أي ولمَّا اشتدَّ ندمهم؛ لأنَّ مِنْ شأن من اشتدَّ ندمُهُ وحَسْرَتُهُ أن يَعَضَّ يدهُ غمًا، فتصير يده مَسْقُوطًا فيها، لأنَّ فاه قد وقع فيها.وقيل: مِنْ عادةِ النَّادمِ أن يُطَأطِىءَ رَأسَهُ، ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها، ويصيرُ على هيئةٍ لو نُزِعت يده لسقط على وجهه، فكأنَّ اليدَ مَسْقُوطٌ فيها.ومعنى {في} على، فمعنى {في أيديهم} كقوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71].وقيل: هو مَأخُوذٌ من السَّقاط، وهو كثرةُ الخَطَأ، والخَاطِىءُ يَنْدَمُ على فعلهِ.قال ابنُ أبي كاهل: [الرمل] وقيل: هو مأخوذٌ من السَّقيط، وهو ما يُغَشِّي الأرض من الجَليدِ يُشْبِه الثَّلْج.يقال منه: سَقَطَت الأرْضُ كما يُقَال: ثلجت، والسَّقْطُ والسَّقِيطُ يذُوبُ بأدْنَى حرارةٍ ولا يبقى.ومنْ وقع في يده السَّقِيط لمْ يَحْصُل من بغيته على طائلٍ.واعْلَمْ أنَّ سُقِطَ في يده عدَّهُ بعضُهم في الأفعال الَّتِي لا تتصرَّف كنِعْمَ وبِئْسَ.وقرأ ابْنُ السَّمَيْفَع سقط في أيديهم مبنيًا للفاعل وفاعلُه مَضْمَرٌ، أي: سَقَطَ النَّدمُ هذا قولُ الزَّجَّاجِ.وقال الزمخشريُّ: سَقَطَ العَضُّ.وقال ابنُ عطيّة: سَقَطَ الخسران، والخيبة.وكل هذه أمثلةٌ.وقرأ ابنُ أي عبلة: أسْقِط رباعيًا مبنيًا للمعفول، وقد تقدَّم أنَّها لغةٌ نقلها الفرَّاءُ والزَّجَّاجُ.قوله: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا}.لما ظهر لَهُمْ أنَّ الذي عَمِلُوهُ كان بَاطِلًا، أظْهَرُوا الانقطاع إلى اللَّهِ تعالى وقالوا: {لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا}.قرأ الأخوان {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِر} بالخطاب، {رَبَّنَا} بالنَّصْب، وهي قرايةُ الشعبي وابن وثَّاب وابن مصرف والجَحْدريّ والأعمش، وأيُّوب، وباقي السبعة بياءِ الغيبةِ فيهما، {رَبُّنَا} رفعًا، وهي قراءةُ الحسنِ، ومُجاهدٍ، والأعرج وشيْبَةَ وأبي جَعْفَرٍ.فالنَّصبُ على أنَّهُ مُنَادى، وناسَبهُ الخطاب، والرَّفْعُ على أنَّه فاعلٌ، فَيَجُوزُ أن يكون هذا الكلام صَدَرَ من جمسعهم على التَّعَاقُبِ، أو هذا من طائفةٍ، وهذا من طائفةٍ، فمن غلب عليه الخوفُ، وقوي على المُواجهةِ؛ خاطب مستقيلًا من ذنبه، ومن غلب عليه الحياء أخرج كلامهُ مُخْرج المُسْتَحِي من الخطاب؛ فأسند الفِعْلَ إلى الغَائِبِ.قال المُفَسِّرُونَ: وكان هذا النَّدمُ والاستغفارُ منهم بَعْدَ رُجوعِ مُوسى إليهم. اهـ. باختصار.
{إِصْرَهُمْ} التكاليف الشاقة وأصل الإِصر الثقل الذي يأصر صاحبه عن الحِرَاك.{الأغلال} جمع غُل وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد.{عَزَّرُوهُ} وقّروه ونصروه.{أَسْبَاطًا} جمع سبط وهو ولد الولد أو ولد البنت ثم أطلق على كل قبيلة من بني إِسرائيل.{تَأَذَّنَ} آذن من الإِيذانُ بمعنى الإِعلام.{يَسُومُهُمْ} يذيقهم.{خَلَفَ} بسكون اللام من يخلف غيره بالسوء والشر وأمّا بفتح اللام فهو يخلف غيره بالخير ومنه قولهم: «جعلك الله خير خلف لخير سلف». اهـ.
|